يا أحمدُ المحمودُ
هـل تســمعُ البِيدُ صبّاً بات منكسرَا *** يُرَتّلُ الفقـــدَ في أرجائــها سُوَرَا
كم نجمةٍ في تُخــوم الليل شاهدةٍ ** على وُلوعي تُقاسي مثليَ السهَرَا
هذا الفضاءُ الذي في الكونِ مُتّسِعٌ *** يضيق في العَيْن حتى يُشبِهَ الإبِِرَا
لوْ ذاق لوْعـــةََ فقـــدي ما يعومُ به *** لمَا رأينا به شمـــــــساً ولا قَمَرَا
ما إن رأى عاشِـــقاً هذا تَوَجُّعُهُ *** جَرى الخليطُ فدمْعُ المُسْتهامِ جَرى
يُقلِّــــبُ الطــــرْفَ في آثار جِيَرتهِ *** فلا يرى لــــهمُ إلا الأســــى أثَرا
فيُســــقِطُ الوجــــدُ في آفاقهِ مَطرَا *** ويُنْبِتُ الشـــــوقُ في أحْداقِهِ زَهَرَا
وقفـــتُ في طلل ٍ تعْـدو الرياحُ بهِ *** حتى غــدوتُ به في الريح مُنْدثِرَا
طوى الأحبَّـــةََ في أسْـــــفارِهِ زمَنٌ *** يُحيلُ كلَّ كتــــابٍ راق مُخْتصَرا
كأنّ كــــلَّ رَحـــــيلٍ في مرابعـــهِ ***آيٌ على أنــه قد صار مُحْتَـــــضَرَا
رَجَعْــتُ للنفسِ أسْتجْــــلي مَتَاهتَها ***فما وجــــــدتُ لها في تَيهِها عِذرَا
يذري المُحِبّونَ في الأطلالِ عَبْرَتَهمْ *** دمْعاً على حيْرةِ الإنسانِ منْحَدِرَا
وفي الـــوُلوع بِذات اللهِ لو عَلِموا *** ما يُفْـرحُ القلبَ أو ما يُبْهجُ البَصرَا
وكـــلُّ حُـــبٍّ غُثـــاءٌ لا بقــاءَ لهُ *** إن لم يكـــنْ في رسول الله مُسْتََعِرَا
هو الرسولُ الذي ضاءَ الزمانُ بهِ *** مِن بعد أن كان ليلُ الجهلِ مُعْتكِرَا
ولـــوْ تأخَّـــــرَ في الآنامِ مَوْعِــــدُهُ*** لمَا دُعُــوا مِنْ دواعي جَهلِهمْ بَشَرَا
هشّــتْ لمـــــولدِهِ الأيامُ باســـمَةً *** وكان إيوانُ كســــرى يعْرَفُ الخََبَرَا
نورٌ تجلّى من البطــــحاءِ ذو وَهَجٍ *** أحالَ جدْبَ الفيافي مُورَقاً خَضِرَا
والحقُّ يَسمـــعُهُ مَــنْ كان ذا صَممٍ *** ويســـــتنيرُ بـــــه مَنْ يعْدم النّظرَا
هذا الأميـــــنُ الذي زانتْ ملامحَهُ *** بِيضُ السجــــايا فكان البدْرُ مزدَهِــرَا
مُكَـــلَّلاً بجمــــيل القولِ مُعتمــــرَا *** ثوبَ المحبةِ مَحْــموداً مــتى ذُكِرَا
أجـــاره اللهُ مِـــنْ يُتْــــــمٍ ألــــــمَّ به *** بعين حُــــبٍّ تُواسيه إذا ذُعِــــــرا
كــــم كان في الغارِ مشغوفاً بوحدتهِ *** يظلُّ في الخَلْقِ والأكوانِ مُفتكرَا
لم يُغْـــــرِهِ صوتُ مِزْمارٍ ولا قَدَحٌ *** ولم يكنْ مُسْتهاماً يعْشقُ الحَـــــوَرَا
وَمنْ يكُ اللـــــهوُ واللـــــــذاتُ دَيْدنَهُ*** فإنه لجَهــــــولٌ ضيَّــــع العُمُرَا
ما زال في الغارِ والإيــــمانُ يغْمرُهُ *** ينأى بِمُهْـــجتهِ عنْ كُلِّ مَنْ كَفَرا
حتّى تــنزَّلَ جِـــــبريلٌ وقال له : ***" اقرأْ" فقــــام لفــرْطِ الرَّوْع مُدَّثِـرَا
وهــبَّ يُرشدُ قوماً في الضلالِ عمُوا** *وفي الظلام الذي لولاهُ ما انْحَسَرا
فوا صــــباحاهُ ها قد قام يُنـــذرِهمْ *** أن يعبُدوا اللهَ لا أنْ يَعْبُدوا الحجَرَا
وأن كــلَّ امــــرئٍ راجتْ تِجـــارَتُهُ *** ولم يفُزْ برضــــا الباري فَقدْ خَسِرَا
وأن كـــــــــلَّ نعيـــــــمٍ لا دوامَ لهُ *** إلا لمنْ نَهَـــــلَ الإيمانَ واعتـــــبَرَا
ما كان أعــــظمَهُ والكافرون طغــوا *** يدعو بحب ٍّ لمن راموا به ضَََرَرَا
لم يُثنِهِ أحـــدٌ عن نَشــــر دعـــوته ِ *** وظـــلَّ يصدحُ في الدنيا بما أُمِــرَا
كم لانَ مِنْ سامعٍ جِــــلْفٍ لِنَـــبرتِهِ *** وأحْسَـــنِ القولِ حتى قيلَ قدْ سُحِرا
بلاغــــةٌ في خُشــوعٍ في نـــقاءِ يَدٍ ***في هِمَّــــةٍ في مَــعالٍ بلَّـــغتْهُ ذُرا
قد كان َ أروعَ يومَ الفـــتحِ مُنتصــراً *** إذْ يمنَحُ الطــــلقاءَ العفوَ مُقتَدِرَا
غــــزا القــــلوبَ بآياتٍ مطَــــهَّرَةٍ *** غُــــرٍّ فبايَــــعَهُ أصحابُها زُمَــــرَا
شنّ المحبةَ أجــــناداً فما وجــدَتْ *** إلى عقولِ الورى سُوراً ولا جُـدُرَا
وكمْ تجَــــوّلَ في الأســــواق منْفرِداً *** يبــــشُّ للناس لا فظاً ولا بَطِرَا
مُحَمّدٌ واسْــــمُهُ بِرٌّ ومَـــــــــحْمَدَةٌ ***ما انفكَّ ذِكْــراً على أسماعِنا عَطِرَا
فيْضٌ من النورِ يزْدانُ القريضُ بهِ *** كالغيثِ في كلِّ روْضٍ يُورِق الشجَرَا
إليكَ يا أحـــــمدُ المحمودُ خاطــــرتي***وكلُّ حَـــــرْفٍ بها يهــــتزُّ مفتخِرَا
فإنَّ مَدْحَكَ يا خــــــيرَ الورى شََرفٌ *** وإن حـــــبَّكَ يُعْلي الشعْرَ والشُّعَرا
لازلتُ نَحْــــــوكَ مشتـــاقاً على سَفَرٍ *** أرى الحياةَ إلى ما بعدِها سَـــــفَََرَا
فإنْ بَلـغتُكَ في العُقْــــــبى فقد بلغَتْ *** روحي سعادَتََها واجتازتِ الخَطَرَا
أبو المعالي